تضرر قطاع الصناعات التقليدية بسبب الأزمات الراهنة ضرب في”الهوية التونسية” ستسجل تداعياته “على المدى الطويل”

تضرر قطاع الصناعات التقليدية بسبب الأزمات الراهنة ضرب في"الهوية التونسية" ستسجل تداعياته "على المدى الطويل"

تشهد تونس أزمة اقتصادية وصفها البنك المركزي بـ”غير المسبوقة” عمقتها تداعيات الأزمة الصحية بسبب تفشي فيروس كورونا. هذا الوضع أثر بصفة مباشرة على قطاع الصناعات التقليدية وهو أحد القطاعات الحيوية في الاقتصاد الوطني إذ يساهم بـ4,5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام. فرانس24 زارت أسواق المدينة العتيقة لتونس العاصمة ورصدت الأوضاع هناك وآراء التجار.

بدت أسواق المدينة العتيقة في تونس شبه خالية، وهي التي تعج عادة بالمارة أغلبهم من السياح، أبرز حرفاء محلات المنتوجات التقليدية والحرفية هناك. لكن هذا القطاع في تونس يشهد اليوم نكسة غير مسبوقة في ظل الأزمة الاقتصادية والصحية التي تشهدها البلاد.

ويقول رئيس الغرفة الجهوية لتجار الصناعات التقليدية برهان بن غربال لفرانس24 “إن الوضع كارثي للغاية ويمكن اعتبار القطاع منكوبا نتيجة الأوضاع الاقتصادية والأزمة السياسية والصحية التي تشهدها تونس اليوم.”

غياب المنح ودعم السلطات

والحريف الأول لقطاع الصناعات التقليدية في تونس هو السائح الغربي بنسبة 50 بالمائة، فيما يمثل السياح الآتون من الدول العربية، لا سيما الجزائر المجاورة، 40 بالمائة، أما الحريف المحلي فلا يمثل سوى 10 بالمائة، وفق ما أوضح بن غربال.

وبالتالي فإنه “بسبب الأزمة الصحية العالمية وقرارات الإغلاق وتعليق الرحلات الجوية خسرنا السياح الأجانب، المتأتون سواء من الدول العربية أو مختلف أنحاء العالم ولم يتبق سوى الحريف المحلي.”

تاجر المنتوجات الجلدية حاتم قال لفرانس24 “ما زاد الطين البلة هو إغلاق الجزائر لحدودها، كان يمكن أن ينقذنا بقاء السياح الجزائريين، لكن للأسف… فبسبب ذلك توقفت معاملاتنا بنسبة كبيرة جدا.”

وتابع برهان بن غربال “لم يتبق لنا غير الحريف المحلي الذي بدوره تقلصت احتياجاته في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، وصار يقتصر على اقتناء الأساسيات فقط لتتراجع بذلك أرقام معاملاتنا بنسبة 70 بالمائة”.

أحمد تاجر نحاس في المدينة العتيقة، ابتسم باستهزاء قائلا في تصريحه لفرانس24 “التكاليف بقيت كما هي، دفع معلوم الكراء وغيره… لكن المداخيل تقلصت بشكل كبير… لم نتلق أي مساعدات أو منح من السلطات لدعمنا. وإن كانت هناك بعض المنح فهي لم تشمل الجميع”.

وأوضح بن غربال أن المنح التي قدمتها السلطات التونسية في هذا الإطار ورغم بساطتها، وجهت فقط للأجراء ولم تشمل التجار والحرفيين، وهي بذلك لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصية القطاع القائم بالأساس على التجار والحرفيين الذين تضرروا مباشرة من الأزمة.

” العديد من “التجار أفلسوا”

وقال بن غربال إن “العديد من العاملين في القطاع أفلسوا والأحسن حظا منهم غيروا مجال عملهم.”

ويذكر أن قطاع الصناعات التقليدية قطاع حيوي في الاقتصاد التونسي، فهو يشغل ما يقارب 350 ألف حرفي وتاجر كما أنه يمثل 4,5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.

كما أنه يساهم بدور كبير في التشغيل لأن الاستثمار فيه غير مكلف ولا يتطلب مستوى تعليميا عاليا.

العديد من التجار رفضوا التعليق على الوضعية التي يمرون بها، وبدا عليهم اليأس وقد اعتلت وجوههم ابتسامة صفراء، أحدهم قال “تعبنا من الكلام. نحن اليوم تحت الصفر. بم سيفيد الكلام.”

ويشار إلى أن الحكومة التونسية أكدت أن لاعودة للإغلاق التام في البلاد على غرار الذي أقرّ في آذار/مارس الفائت، مبررة قرارها بأن الاقتصاد لن يحتمله.

وفي تصريح لفرانس24 قال الصحافي المختص في الاقتصاد أيمن الحرباوي ” تضرر قطاع الصناعات التقليدية بعد انتشار جائحة كوفيد19، نتيجة ارتباطه بقطاع السياحة بشكل مباشر وتراجع عدد السياح، بالإضافة إلى تدهور القدرة الشرائية في السوق الداخلية للمستهلك التونسي.”

وتابع الحرباوي قائلا “إن تراجع قطاع الصناعات التقليدية، يؤثر بدوره بصفة مباشرة على الاقتصاد التونسي، من خلال غلق المهنيين وصغار الحرفيين لمحلاتهم، لاسيما في ظل الإجراءات الصحية التي أقرتها حكومة إلياس الفخفاخ العام الماضي ثم حكومة هشام المشيشي، والتي لم تصاحبها إجراءات ودعم لهذا القطاع، مما عمق أزمته”.

“تضرر القطاع خسارة وطنية”

وتشير الأرقام الرسمية لمعهد الإحصاء إلى أن نسبة الانكماش الاقتصادي التي تسبب بها الوباء في الفصل الثاني من العام 2020 تخطت 20 بالمئة وقفزت نسبة البطالة من 15 إلى 18 بالمئة. أما البنك المركزي فوصف الانكماش الاقتصادي المسجل في البلاد بـ”غير المسبوق”.

من جانبها قدرت منظمة الأعراف في تونس أن الموجة الأولى لوباء كوفيد-19 في البلاد تسببت في خسارة حوالي 165 ألف مواطن عملهم، منبهة إلى تواصل تداعيات الأزمة الاقتصادية مع عودة الفيروس للانتشار من جديد.

ويقول عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بشير بوجدي “تشير تقديراتنا إلى خسارة ما يقارب 165 ألف موطن شغله خلال الموجة الأولى من الوباء” ما بين آذار/مارس وحزيران/يونيو.

أحمد تاجر المنتوجات النحاسية أكد أيضا ذلك قائلا “هذا المحل الصغير كان يشغل خمسة أشخاص، لكننا اليوم اثنان فقط بسبب الأزمة، لم نعد نحتمل تكاليف تشغيل الثلاثة الآخرين.”

ويبين بوجدي أن حوالي 35 في المئة من المؤسسات الصغرى والمتوسطة في القطاع الخاص “مهددة بالاندثار”، بينما 40 في المئة من شركات الصناعات التقليدية على وشك الإفلاس. ويتابع “من المؤكد أن الموجة الثانية ستزيد من تعقيد الأمور لكن يجب المحافظة على أسواقنا والتحمس للإنتاج”.

وأوضح الحرباوي لفرانس24 “في ظل ضعف الإقتصاد التونسي وهشاشته وعدم قدرته على تقبل الصدمات مهما كانت ضعيفة، فتضرر كل قطاع مهما كانت درجة أهميته يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني بأوجه مختلفة، وهو الحال بالنسبة لقطاع الصناعات التقليدية.”

وفي هذا السياق أكد برهان بن غربال “أن تداعيات هذه الأزمة غير المسبوقة التي ضربت القطاع سيمتد تأثيرها على المدى البعيد لا سيما إذا فقدنا بعض الحرف والمهن غير المتاحة سوى بالتجربة.”

وتابع بن غربال “تضرر قطاع حيوي كالصناعات التقليدية خسارة وطنية فهو أحد أبرز أعمدة الهوية التونسية.”

صبرا المنصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *